إن الحياة اجبارية
وفرديةوصعبة
لكننا نمشي على رجاء
على أمل كبير بالله.
سَلْ نوحاً عن ألف سنةٍ قضاها في الأرض .. يخبركَ أن العمرَ قصير مهما طال .. سَلْ سُليمانَ عن الغِنى وقد ملكَ الأرضَ من مشرقها إلى مغربها بجِنّها وإنْسِها ودوابها .. يخبركَ أنّ الإنسان فقير مهما ملكَ .. سَلْ داوودَ عن القوة وقد أُلينَ له الحديد .. يخبركَ أنّ الإنسان ضعيفٌ مهما قويَ .. سَلْ فرعونَ عن البحر إذ أطبق عليه .. يخبركَ أن طعم الملح أزال حلاوة المُلك .. سَلْ النمرود عن بعوضةً في رأسه .. يخبركَ أن الذُلّ لم يترك له عِزاً .. سَل الطغاةَ والعصاةَ على حد السواء عن أبلغ درسٍ خرجوا به من الحياة .. يخبروكَ جميعا : لا تركن إلى الدّنيا .
الحمدُ لله الذي أفسح لنا الكون لننظر في الآيات،
الذي رفع لنا سماءً واسعة تُذكرنا باسمه الواسع عندما تضيقُ بنا الأرض.
الحمدُ لله الذي نشر أجنحة الطير البيضاء بالآفاق
الذي خلق البسمة وأرسل النسيم،
الذي أسقط المطر وبعث الفجر.
الحمدُ لله الذي ألقي بقلب عبده المؤمن ذكر الجنةِ كُل حين،
فيستبشر كل البُشرى وهو بقلب كمده.
كانت هذه القرية الصغيرة موطن صباه، حيث عرف معنى الحياة لأول مرة. هناك، بين الحقول الخضراء والأشجار المثمرة، تعلم كيف يحب الطبيعة، وكيف يستمتع بجمالها وسحرها. كان يخرج كل صباح ليتجول في الحقول، يستنشق هواءها العليل، وينصت إلى زقزقة العصافير. كانت هذه اللحظات تمنحه شعورًا بالحرية والسعادة، وتجعل قلبه ينبض بالفرح والأمل.
في تلك الزاوية من حديقة البيت القديم، حيث كانت أشجار البرتقال تظلل الأرض بظلالها الكثيفة، كنت أجلس وحدي، وأغوص في بحر الأحلام. كان هناك مقعد خشبي مهترئ، كنت أجلس عليه وأغمض عيني، وأتخيل أنني أطير في سماء بعيدة، أترك ورائي كل الهموم والأحزان، وأعيش لحظات من السعادة الصافية. في تلك اللحظات، كنت أشعر بأن العالم بأسره ملك يدي، وأنني قادرة على تحقيق أي شيء أريده.
ما الحياة إلا حلم يوقظنا منه الموت، وما الأمل إلا فجر كاذب يبدده شعاع الصباح، وما السعادة إلا وهم يلاحقنا كظلنا، حتى إذا أمسكنا به وجدناه سرابًا. ومع ذلك، فلا بد من الحلم والأمل والوهم، لأنهم قوت النفوس وبهجة الحياة، وهم ما يجعل للحياة طعمًا ومعنى. فليكن لنا إذن في كل يوم حلم جديد، وأمل جديد، ووهم جديد، لعلنا نجد فيهم السعادة الحقيقية التي ننشدها.
كان الصبي يحب القرية حباً جماً، ويستعذب البقاء فيها. فإذا جاء فصل الربيع وانبسطت الأرض وأزهرت الأشجار واخضرت الحقول، امتلأت نفسه بهجة وسروراً، وكان يقضي الأيام يجول في حقول القرية وأرجائها، مستمتعاً بجمال الطبيعة وسحرها. وكثيراً ما كان يتأمل تلك الحقول الخضراء والأشجار المثمرة، ويشعر بالارتباط العميق بينه وبين الأرض، التي هي مصدر الحياة والرزق والسعادة.
في أعماق كل إنسان كنز من المشاعر والأفكار لا يظهر إلا لمن ينظر بعين القلب. إننا نعيش في عالم مزدحم بالأصوات والضجيج، ومع ذلك نشعر في كثير من الأحيان بوحدة عميقة لا يفهمها إلا من يعرف معنى الصمت. نحتاج أحياناً إلى أن نتوقف، أن ننسحب إلى داخل أنفسنا لنكتشف جمال أرواحنا ونفهمها. إن القوة الحقيقية تأتي من السلام الداخلي، ومن القدرة على الإنصات لصوت الروح وسط صخب الحياة.
ما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل!
وما أثقلها لولا خفة الطموح!
إننا كالأشجار التي لا تتوقف عن النمو، ولو توقفنا عن الحلم، لتوقفنا عن الحياة. إن الحلم هو الذي يبقينا شباباً، والطموح هو الذي يجعلنا نحتمل ضيق الدنيا وصعوباتها. فلا تيأس إذا اشتدت بك الأيام، بل اجعل من أملك جناحين، ومن طموحك قوة تدفعك إلى الأمام، وسترى أن الحياة، مهما ضاقت، تتسع أمام إرادة الأحياء.