ربما في مكان ما
يومًا ما
حين يكون الزمان أقل بؤسًا
قد نرى بعضنا البعض مرة أخرى .
هناك حب لا يُنسى , يبقى متجذرًا في القلب حتى بعد أن يمضي كل شيء , تظن أنك تجاوزته , أنك تحررت منه , ثم فجأة , في لحظة عابرة , تسمع صوتًا يشبه صوته , أو تلمح شخصًا يحمل ملامحه , فترتجف روحك وكأنك التقيته من جديد , لكنك تعلم , في أعماقك , أن ما ضاع لا يعود , وأن بعض المشاعر تبقى حبيسة القلب , لا تبوح بها , ولا تموت أبدًا , إنها تظل هناك , تنبض في صمت , كجمر تحت الرماد , تنتظر نسمة واحدة لتشتعل من جديد , فهل الحب الحقيقي هو الذي ينتهي , أم ذاك الذي يبقى ؟
فلماذا ولدت في عكا لماذا ارتكبت هذا الإثم!. جرب يا غسان واخرج من اسمها. ستخدعك الحياة من جديد. وتموت. تضيق بها ذرعا، ومن فرط العشق والغيرة تكرهها. ولكن، ماذا تكون من دونها فلماذا ولدت في فلسطين لماذا ارتكبت هذا الذنب .
جرب ـ يا غسان ـ جرب أن تذهب في هواها إلى آخر الشوط ستخدعك الحياة من جديد. وتموت من جديد.
الابتعاد عنها ـ قاتل
والاقتراب منها ـ قاتل
وبين الاقتراب والابتعاد يتأرجح جسمك. الارتفاع يوازي الضياع. والنزول يحاذي الأفول.
وهذه هي المأساة.
وهذه هي قدرية فلسطين .
عندما تكون الأماني كبيرة يعني ذلك أن الإنسان ما زال في مرحلة طفولة العقل، يحسب أن الدنيا كلها ستُسَخر له حتى يحققها، ويظن أن الشغف الذي يكون مدفوعاً به ليصل إليها هو جُلُّ ما يحتاجه حتى تبقى هذه الأماني متقدة في نفسه. ولكنه يكبر .. ليس في العمر فقط بل ويكبر في الشعور... وتصغر أمانيه حتى لا تتعدى أن يكون لديه فسحة صغيرة في هذه الدنيا يأوي إليها ويأنس بها، مع قليل من الوعي والتفكير يكفيه ليمضي يومه بسلام وكفى، ويتمنى لو أن الوهم الذي كان يطيب له العيش به لم ينقطع فهو ضرورة كالماء و الهواء. أو كما يقول المنفلوطي: إنما نحن أحياء بالآمال و إن كانت باطلة وسعداء بالأماني وإن كانت كاذبة"
ستستيقظ في بعض الأيام شاعرا وكأن العالم كله في قبضة يدك، وأنك قادر على مواجهة أي شيء وكل شيء، أن أحلامك لا محدودة، وعزيمتك لا تهزها ضربات الحياة الموجعة، وأنك قوي جدا ، وصلب جدا
في أيام أخرى، ستسيقظ غير قادر على مواجهة ضوء الشمس، وكأن العالم يحكم قبضته من حولك ويضيق عليك ضلوع صدرك، ستشعر أنك ضئيل كعصفور جريح، وهش ككأس من الزجاج، تنأى بنفسك عن أي مواجهة خشية أن تنكسر
أنت القوي الصلب، وأنت الضعيف المنكسر، وهذه هي الحياة بحالتيها ، هذه هي الحياة التي ترفعك فوق قمم الجبال أياما ، وتخسف بك الأرض في أيام أخرى. وعليك تقبل ذلك واعتياده، أن تُحب نفسك القوية وتهذبها حتى لا يصيبها شيء من الكبر الذي ينخر في النفوس حتى تعطب.
وأن تحب نفسك الضعيفة وتكون رؤوفا بها حتى تمر من النفق المظلم بسلام. وأن تصدق وتؤمن أن الحياة رحلة نسير في طرقاتها الوعرة أحيانا والسهلة أحيان أخرى، وأن العواصف تمر، ربما تخلف من بعدها خرابا لكنها تمر وتنتهي.
كـيف عشـنا غربـاء فـي الحمـى
كيف قـطعـنا اللـيالي نُـوَّمـا
كـم تلاقـينا ومابحـتِ ,
ولابحـتُ
واخـترنا على الجـرح الظـما
ومضى كلٌّ إلـى ملعـبه
يخـنق الـشـوق ويخـفي الألـما
مـوعـدٌ كـان عـلى الأرض لـنا
و أتينـاه
و لكـن بعـدمـا !
حدثيني عن سنا الفجر الذي
طاف بالطيب وزقّ البرعما
حدِّثيني عن أمانينا التي
تزحم الأفق وتغزو الأنجما
أين نمضي وصدى أغلالنا
يجرح السمع ويُثني القدمٓا.