هناك لحظات يقف فيها الإنسان أمام نفسه كما يقف أمام جدار أملس، بلا نتؤ واحد يمكن أن يتشبث به. لحظات يشعر فيها أن العالم يمضي من حوله بإيقاع صاخب، بينما هو ثابت، يراقب الأشياء كمتفرج آخر جلس في الصف الخطأ. العجز ليس ضعفاً، بل هو ذلك الإدراك القاسي بأن الإرادة وحدها لا تكفي دائماً، وأن الإنسان، مهما حاول، محكوم بحدود لا يفهمها تماماً.
كنت أظن أن الحرية تكمن في القدرة على الفعل، ثم اكتشفت أنها تكمن أحياناً في القدرة على التَحَمّل. ذلك الشعور الغريب الذي يخنق الصدر حين يصبح أبسط قرار عبئاً، وحين تبدو الخطوة الأولى كأنها تحتاج عمراً كاملاً. ومع ذلك، داخل هذا العجز يسكن شيء صغير، خافت، يشبه عناد الحياة نفسها: ذلك الرفض الصامت للاستسلام، ذلك الإصرار الغامض على أن ننهض ولو مرة أخرى، حتى لو كنا نعلم أن الطريق لا يعد بشيء.
إنني أتعلم كل يوم أن الإنسان ليس مطالباً بأن يكون قوياً طوال الوقت، بل أن يكون صادقاً أمام ضعفه. فالعجز، مهما بدا قاسياً، يكشف تلك الحقيقة التي نخاف الاعتراف بها: أننا وحدنا في معركتنا الداخلية، وأن النجاة ليست يقيناً بل محاولة متجددة. وفي هذا، ربما، تكمن كرامتنا الأخيرة."

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق