ثمّة زرقة كانت في عينيه، توقًا نحو البحر، نحو شيءٍ بعيد ..

وكان سيمضي، كنت أعرف، لأن الحياة كانت تتهدل على كتفيه

وكان يجرها..

وفي عينيه، كنت ألمح دومًا ظل شيخ كبير

ومن حين لآخر، كان يهمس:

التعب، لم تبق كلمات لوصف هذا التعب..

مرةً رأيته يُنزّه حياته

وبدت متعبة مثل شيءٍ يحتضر

مرةً أخرى

رأيته جالسًا فوق تلّة من موت

وبخجلٍ كان يبكي

ويُقلّب بين يديه غُصنًا صغيرًا وطوقًا باليًا

وبخجلٍ مضيت

كمن اكتشف، دون عمد، سر الآخر

ولم يقل أحدنا شيئاً..

والبحر فيه، كان يهدأ حينًا، وحينًا، كان يعصف..

لكنه كان يظهر أحيانًا، وكنتُ أعرف

أي موج كان يتقلّب فيه البارحة

وحين كنا نُحدق سويةً نحو شيءٍ بعيد

كنتُ ألمح غرقى كثيرين

يرسون على شطآن قلبه

وكان ذاك الصمت يعلو وجهه

صمت صباح اليوم التالي للجنازة..

ولم نكن نعرف أحدًا

كنا نسير مهدلين

مثل ظل المساءات،

حين يمر تحت الشجر اليابس

وأحيانًا، كان الخوف يُرى مُرتعشًا

فوق شفاهنا..

حين يسطع ضوء المنارة

على وجوهنا..

و كان ثمّة بحر يفصل بيننا

ثمة بحر، يصل بيننا

ويُعيرنا شجنًا خفيًا

حين يهبط طير فوق أفراخه

و نتذكر، مرغمين، وحشة بيوتنا..

والبحر فينا، هو الذي كان يبكي..

ولم يكن لنا آباء

وفي الأيام المُمطرة

كانت أبواب منازلنا

ترتعد من الفقد

وكنا نرتعد أيضاً

تحت الشراشف

حين يُعيدنا الماء إلى طفولتنا

وحين تذكرنا لسعات النار في الموقد

وحين كنا نبكي، عندما نلمح الليل

يتسلل زاحفًا من الباب الموارب

لكن أحدنا، لم يكن يقول شيئاً..

والبحر فينا، هو الذي كان يبكي..

ولم نكن نتحدث

كان يجلس غائمًا

يتحسس برعدةً سكينًا صغيرًا في جيبه

ومن حين لآخر

كان يمضي نحو شيءٍ بعيد

وكنت أتبعه..

ذات مرة مضى نحو البحر

وعلا ذاك الصفير

الذي يشبه صفير قطار

يحمل الجنود إلى الجبهة

وكنتُ أعرف، قبل أن يمضي، أنه لابد سيمضي

لأن الحياة لم تكن على مقاسه

ولأنه الوحيد، الذي، حين ولد باكيًا، كان يعني بكاءه

لأنه الوحيد الذي- منذ الولادة- كان يبكي من تعب

ولم يكن في جنازته أحد..

لكن البحر- الذي هو صوته- كان يعصف

والحياة، مع ذلك، كانت تمضي في طريقها

وعلى جانب الطريق، كان شخص ما يعزف لحنًا حزينًا

و غدت أعراس المدينة غائمة

وكان البحر يصهل

والطيور تتساقط بتعب على زجاج النوافذ..

لكن الحياة، مع ذلك، كانت تمضي في طريقها

ولم يعرف الناس، أي حزن كانت المدينة تبكيه في تلك الليلة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق