مابين العاطفه والعقل


تغلب علي العاطفة حيناً فأمسي أرق الناس شعورا وأرهفهم حسا, أرى المشهد الجميل من مشاهد الكون, أو أسمع النغمة العذبة الشجية أو أقرأ البيت الغزلي أو القصة العاطفية المحزنة, فتوقظ في نفسي عالماً من الذكريات, فيخفق لها قلبي ويهفو لها فؤادي, وأحس بها تلذعني لذعا, وتفيض على نفسي شعوراً طاغياً بحب مبهم غامض لا يجد فوهة يندفع منها, ويدعني شخصا متهافتا, لا يقوم إلا على أعواد من العواطف الرقيقة المتداعية.
ويسيطر علي العقل أحيانا فأحتقر العاطفة وأدعو إلى أدب قوي نافذ, وأسخر من الحب وأهزأ بالعاشقين, وأزدري هذه القصص وهذه الأشعار التي كان يرقص لها قلبي وتفيض لها مدامعي .... وأقبل على العمل بهمة عجيبة ورغبة قوية. فأطالع وأكتب, وأعمل كآلة دائبة الحركة لا يأخذني ضعف ولا خور, ثم أشعر فجأة بكراهية العمل والنفور من المطالعة الجدية والعزوف عن الكتابة والتأليف, ويستولي علي كسل عقلي عجيب لا أطيق معه عملا من الأعمال.

كتاب من حديث النفس / علي الطنطاوي رحمه الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق